إذا تحدثنا عن التعليم وما أصابه من فشل فى ظل سياسات خاطئة، سوف تجف محابرنا وتنتهى أوراقنا ولم نستطع أن نرصد ما شابه من سلبيات، ويكفى فى هذا المقام أن أقول لك تعليمنا فاشل يا سيادة الوزير، نعم اسمعها منى هكذا فلا خير فينا إن لم نقلها ولا خير فيكم إن لم تسمعوها، وعن أسباب الفشل، أقول لكم: ضعف مستوى المعلمين القائمين على مهنة التدريس، وذلك راجع إلى ضعف مستوى إعدادهم الأكاديمى والتربوى، وعدم تمكنهم من كفايات إعداد المعلم، وتعلم سيادتكم أنه لا يمكن أن ينهض نظام تعليمى معلموه ضعاف.
وهذا (ديرون) يقول: إن الدولة التى تعهد بتربية الأجيال إلى معلمين ضعاف، إنما ترتكب خطأ كبيرا؛ إذ إنها تنتحر عقليا وثقافيا ووجدانيا لسبب بسيط أنها تتهاون فى اختيار الأفراد الذين سيضطلعون بمسئولية وتربية أجيالها الصاعدة". ولكننا تمادينا فى أخطائنا واخترنا غير المؤهلين علميا وتربويا وأسندنا إليهم مسئولية تعليم أبنائنا فى تلك المحرقة التى تسمى بالمدرسة، فنشأ جيل طمست هويته،ومسخت شخصيته.
وفشلت الإدارة المدرسية فى تدريب هؤلاء المعلمين أثناء الخدمة، وما يقام ويقدم من برامج التدريب خبط عشواء، دون دراسة أو تخطيط، فهى لم تقم على الحاجات الملحة التى يحتاجها المعلمون، لرفع المستوى المهنى وتنميته لهؤلاء، إن هى إلا أوراق أعدوها ليثبتوا إن هناك عملا يقومون به فيدر عليهم دخلا لا يستحقونه، وما أروع التنظير والمنظرين!
وعن المناهج المقدمة لأبنائنا نجد أنها خالية من تعلم التفكير الذى أصبح ضرورة ملحة ومطلبا يتطلبه العصر الحاضر؛ لأن تعليم التفكير يساعد المعلم على تعرف إمكاناته العقلية وقدراته، ومن ثم استثمارها وتنميتها بشكل أفضل يساعد على تكوين فهم أفضل للحياة وأهدافها، الأمر الذى يحقق الاستقلالية فى التفكير، واتخاذ القرارات بعقلانية والثقة بالنفس، وكل ذلك من أسس التكيف مع المجتمع الذى يعيش فيه، ولذلك فمن الضرورة بمكان تأهيل المعلم على الإسهام فى تنمية مهارات التفكير لدى التلاميذ، والعمل على الانتقال من التعليم المعرفى الكمى الذى يركز على الحفظ إلى التعليم النوعى الذى يركز على توظيف المعلومة واستخدامها.
وثالثة الأسافى وهى التى تتعلق بأحوال المعلمين وحقوقهم المادية والأدبية، فليس من المتصور والمعقول فى الأعراف والقوانين أن يحرم المعلم من الترقية، ثم فى أى قانون يسبق التلميذ أستاذه ترقية، لقد كان القانون 55 لسنة 2007 قانونا جائرا فى حق قدامى المعلمين الذى جعل المعلم الذى دخل الكادر أولا فوق أستاذه الذى لم يحصل على الكادرأو حصل عليه بعد ذلك، هذا ما يوغر الصدر،ويؤذى النفس. ولا بد من إعادة الأمور إلى نصابها الطبيعى، وتكون الأولوية لمن أفنوا عمرهم واشتعلت رؤوسهم شيبا فى إعداد الدروس وتعليم أبناء الأمة، ثم يجب أن يعاد النظر فى اختيار الكفاءات التربوية والتعليمية فى وظائف الإدارة، فلا يعتلى منصبا إلا من كانت لديه القدرة والكفاءة والسمعة الطيبة، فما كان يتم من اختيار لهؤلاء لهو أمر يدعو للأسف، ولذلك يجب أن تعلن الوزارة عن الوظائف الشاغرة بها وبديوان عام المديريات التعليمية، ويخضع المتقدمون لاختبار تحريرى وآخر شفهى للتأكد من أن الأجدر والأكفأ قد اعتلى المنصب، ولا فرق هنا بين قديم وحديث.
سيدى الوزير لقد من الله عليك وحملت مسئولية كبرى، وأصبحت راع للمعلمين فأنت مسئول عنهم أمام الله( كلكم راع ،وكل راع مسئول عن رعيته) نحن نضعك أمام مسئوليتك القانونية والشرعية لأنك ستحاسب عن هذه المسئولية، يوم لا تنفعك وزارة ولا إدارة، إلا بما قدمت يداك من إصلاح لهذا القطاع الذى يتضعضع بنيانه أمام عينيك، فإما أصلحت وطورت، وإما اعتزلت وأعطيت القوس باريها، هؤلاء جنود وزارتك خرجوا إلى الشارع رافعين شكواهم إليك بعد أن مسهم الضر، وضاقت عليهم معيشتهم، وهم يرون أصحاب المهن الأخرى، زادهم الله من فضله، قد حصلوا على حقوق لهم قد استبيحت زمنا، وارتفع مستواهم المعيشى، والمعلمون على حالهم من البؤس والشقاء، وهم أكبر الناس جمهورا، وأكثرهم أعوانا رأوا أنفسهم فى آخر الصف، وهم أولى الناس بالرعاية والاهتمام، لأن فضلهم ممتد على كل ذى منصب، من الموظف الصغير حتى أعلى رأس فى الدولة؛ لأنه صاغ عقولهم، وشكّل شخصياتهم، لهم حقوق واجبة الأداء فى الجانب المادى. لماذا يحرم المعلم من بين كل موظفى الدولة من حافزالـ200%، هل هذا هو العدل الذى أمرتم به؟ "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل"، "ولا يجرمنكم شنآن قوم أن تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى".
دعنى يا سيادة الوزير أن أقولها صراحة إنى أخاف أن تكون هذه مؤامرة على مصر وشعبها، ويكون فى حرمان المعلمين من الحافز دعوة للعصيان المدنى، كما يتردد الآن بين صفوف المعلمين، فتخسر مصر خير أجنادها، ويكون أبناؤنا ضحية الجهل باتخاذ القرار، ويصير التعليم إلى فوضى، ويغرق المستقبل فى البلل، إن القانون يعطى المعلم الحق فيما حصل عليه باقى الموظفين فلا تبخسوا الناس حقوقهم، هل يهنيك أن تتعطل الدراسة؟ وهل ترضى أن يعمل المعلم وهو يداخله إحساس بالظلم؟ أعتقد لا، إذا على الحكومة المصرية أن تعطى للمعلم ما يستحقه من حافز يشجعه على العمل والعطاء.
- إننى أرى المعلم فى مصر سيدا للأمة، فهو بانى حضارتها وصانع نهضتها، ومع ذلك هو فى الدرك الأسفل من الموظفين، أنا لا أصدق أن معاش المعلم بعد أربعين عاما من الخدمة يساوى أربعة وعشرين ألفا تدفعها له وزارته الموقرة عن كل عام ستمائة جنيه، بمعنى أن كل شهر يعادل خمسين جنيها، ونقول بعد ذلك أن المعلم حقوقه مصونة، وكرامته محفوظة. فى أى وزارة من الوزارات يحصل هذا؟.
أفيقوا أيها السادة القابعون خلف كراسيكم، ولا تشعرون بالمعاناة، إننى أنقل لك صورة من معاناة قطاع كبير من المعلمين الذين طلقوا السبورة، وامتهنوا مهنا لا تليق بمن يحمل رسالة التربية وأمانة التعليم، فمنهم من يعمل فى مقهى يقدم لتلاميذه المشروبات، وفى الصباح يقف فى الصف، فيناديه طلابه (ياسطى)، ومنهم من يعمل سائقا (للتوك توك)، ومنهم من يعمل ماسحا للأحذية، هل هذا هو معلم الناس الخير الذى تستغفر له الملائكة حتى الحيتان فى البحر؟! إن القلم يكاد يبكى بين الأصابع، وتنفطر النفس أسى وحسرة، وهو يرى هؤلاء فى هذه الأعمال المشينة، وما دفعهم لهذا سوى الحاجة. سيدى الوزير هذا خطابى إليك مجرد من كل هوى قد كتبته إليك راجيا تحقيق المطالب المشروعة لجمع المعلمين. وهذا ليس كثيرا عليك حتى نرى وطننا يكبر، وزرعنا يثمر، ولا نجد بين المعلمين جائعا ولا عاريا.